الإعلام يطغى على محتوى الإبداع، حسب الصحفي الثقافي ولي الدين المسعودي
تم مناقشة مسألة واقع الصحافة الثقافية ومدى تعاطيها مع مجال الفن في ورشتنا بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار يوم التاسع من أكتوبرسبعة عشر وألفين على إثر استضافة ولي الدين المسعودي صحفي ثقافي في جريدة "Le quotidien" من قبل طلبة السنة الثالثة صحافة في الإجازة التطبيقية. قدم الصحفي ولي الدين المسعودي مقاربة أكد فيها تردي الوضع الإعلامي في علاقة بالثقافة. إذ أكد أن الفن الملتزم اليوم لم يلق حظوة في وسائل الإعلام (مكتوبة كانت أو سمعية بصرية أو رقمية) في حين تبرز الفنون التجارية على حد تعبيره فتسقط في سلعنة الفن وتشيئ الثقافة.

إن الثقافة التونسية حسب ولي الدين المسعودي تزخر بأرشيف ثقافي وصفه ب"المحترم" وأكد على ضرورة التصالح مع ذلك الموروث والتنقيب فيه والتغلغل في دهاليزه قصد التشبع بالهوية التونسية الحافلة بالآثار الفنية "القيمة" والاستفادة منها وإثراء المنتوجات الثقافية الحالية وذلك عبر إرساء ميكانيزم عمل وخطة تنظيمية للمجال الثقافي.

تدعيما لهذه النظرة التنظيمية، أشار الأستاذ محمد علي الحيو إلى ضرورة التخصص الإعلامي وخاصة في المجال الثقافي. فالمجال الموسيقى مثلا يفتقر إلى محللين وباحثين نقاد حسب قوله. بل ما راعه "تفشي صورة الصحفي الذي يتكلم في كل شيء دون دراية بأدق خصوصيات الحقل الثقافي الذي يطرحه في عمله، وذلك يشكل ضربا من السطحية المفرغة من الدلالات والرموز رغم ما تغنم به الثقافة من عمق أنثروبولوجيا و حسيا".
مجال السينما في نسق إبداعي متجدد
وتدخل الطالب حسام بوراوي مبرزا قيمة الأفلام السينمائية التونسية ووقعها على المتقبل التي تتصدر المراتب العالمية الأولى في الجوائز والمهرجانات ومدى تطور التقنيات السينماتوغرافية ونص السيناريو والقيم المشهدية المحبوكة على مستوى المضمون وحتى على مستوى الشكل في الجانب التقني الفني وحرفية العمل وتكافؤ العمل بين ممثلين وطاقم إعداد وإخراج وإنتاج واكسسوار حيث أشار إلى عظمة الفن الملتزم في تونس.

إذ قاطعه الطالب عادل الحفيظي مبينا موقفا مخالفا له وأكد على ازدراء الصورة الإباحية غير الموظفة وتقهقر القيمة في السينما والذي تعمد الإعلام نشرها وبثها للمتقبل كما أشار إلى أغاني الراب والتي اعتبرها دون معنى ووصفها ب"التفاهة التي لا تقدم إضافة".
عقبت الطالبة أسماء الطرابلسي التي اعتبرت أن "هناك علاقة وثيقة بين الثقافة والذوق العام الذي من شأنه أن يؤثر في رقي المجتمعات أو تأخرها". وأقرت أن فلسفة الثقافة تبدو هشة وغير مبنية على أسس تؤصل قيمة القيمة ومعنى المعنى الأثر الفني وذلك من خلال معالجة رمزيته والحفر في دلالاته ومآلاته. إذ أرجحت بالقول أن "المعضلة الرئيسية للشعوب العربية هي أزمة جنس بالأساس وذلك يظهر في ميولات الذائقة التي تنحرف إلى برامج الإثارة والإغراء الناعم واعتبرت أن في ذلك عنفا رمزيا يظهر في التوجيه اللامباشر بالاستقالة والاستدراج المقنع متوسلا الدعاية والاشهار ومشاهد البورنوغرافي المسقطة في برامج تلفزيون الواقع أو في الأفلام أو الألفاظ السوقية في في اغاني الراب. هذه الأغاني تعبر على حد قولها عن" ثقافة شارع ومجتمع يبحث عن إشباع مكبوتاته التي يصعب عليه ممارستها في العلن نظرا لمعايير وضوابط أخلاقية تستدعي منه الانخراط بالضرورة في منظومة "الحشد" واتباع سلوكاته ومسلماته المقولبة.

أيد الصحفي المسعودي كلامها مقدما السينما التونسية كمثال على اعتبارها مجال تخصصه وأكد أن الأثر الفني يستوعب رسالة أخلاقية بالأساس إضافة إلى الجانب الفني مذكرا بقيمة السينما في تهذيب الذوق العام وفي تأسيس الحضارات ورسم مسار الأمم وأشار إلى ضرورة إرساء مشروع ثقافي بناء يسمو بالحس النقدي ويعمق النظرة العقلانية للصحفي في تحليل المنتوج الفني تحليلا ذا منهج منطقي. وعبر كلماته قدم مغني الأوبرا في تونس "حسان الدوس " كنموذج إيجابي للبادرة الفنية وذكر مكانة الكافيشانتا و منوعات مثل "كلامجية" في الترويح والتثقيف لدى التونسيين .
علاقة جوهرية بين المجال الاقتصادي والثقافي
تفاعلا مع الصحفي أضافت عبير بن عمارة أن هناك علاقة جوهرية بين المجال الاقتصادي والثقافي وأنه وجب تنظيم السوق الثقافية وإعداد مخطط يدرس الواقع السوسيولوجي للتونسيين وحاجياتهم وفق ثنائية العرض والطلب والتأكيد على ضرورة توفر الجانب التمويلي حتى تستمر "المكنة". وفي هذا السياق تلاحظ الطالبة أميمة بن خلف أن واجهات الأكشاك وفي الصفحات الأولي للصحف طغيان العناوين السياسية والرياضية والاقتصادية على حساب الثقافة التي تكون موجودة في ركن ضيق في الجريدة وأحيانا تكون غائبة تماما.

أجاب المسعودي "نعم وللأسف ولكن نحن نسير في دعم فلسفة التخصص" معتبرا أن العلاقة بين الصحافة والثقافة والسياسة تسير نحو التأسيس للأفضل مشيرا إلى دور وزارة الثقافة في تقديم نقلة نوعية في تحسين الشأن الثقافي ودعمه. وفي ذات السياق تباينت الآراء فختم الأستاذ معتبرا أن الحل في تقديم الأفضل ينبع من ذات كل فرد وهنا أشار إلى ضرورة توفر الإرادة المسؤولة من قبل الفنان والصحفي وراس المال الإقتصادي والسياسي والمواطن. ففي غياب تصميم واضح وإرادة العمل الجماعي الحق لا يمكن التحرر من السائد والانفتاح على التجديد والإبداع.
أسماء الطرابلسي