المسرح... في يومه العالمي...ذاك الفنّ الذي لا يشيخ
- Mohamed Ali Elhaou
- 27 mars
- 2 min de lecture
في السابع والعشرين من مارس من كلّ عام، تتوهّج خشبات المسارح عبر العالم، وتُضاء الأضواء لتحتفي بذاك الفنّ الذي لا يشيخ، المسرح، ذاك الكيان الحيّ الذي ينبض بالكلمات والحركات، فيحمل هموم الإنسان وأحلامه، ويرتقي بالروح والعقل معًا. إنّه عيد المسرح، العيد الذي لا يُشبه غيره، لأنه يحتفي بفنّ هو في جوهره احتفال دائمٌ بالحياة.

تونس، هذه الأرض التي عرفت المسرح منذ أزمنة بعيدة، حيث كانت العروض تُقدَّم في الساحات العامة والمعاصر وبيوت الحمّام، ثم على خشبات المسارح التي أنجبت أسماءً لمعت في سماء الفنّ العربي والعالمي : من علي بن عياد إلى الفاضل الجعايبي، ومن توفيق الجبالي والفاضل الجزيري إلى رجاء بن عمار وغيرهم ممّن حملوا مشعل الإبداع وجعلوا من المسرح التونسي صرحًا للفكر والتمرد والتجديد.
لكنّ المشهد المسرحي اليوم، رغم إرثه العريق، يواجه تحدياتٍ كثيرة، فالجمهور لم يعد كما كان، وتقلّص الدعم، وصار المسرحيون يقاتلون للبقاء في عالم يسير بخطى سريعة نحو الرقمنة والاستهلاك السريع للمحتوى الفني. ورغم ذلك، يظلّ المسرح التونسيّ صامدًا، لأنّ مَن عشقوا الخشبة، يدركون أنّها ليست مجرد فضاء، بل حياة بِرُمَّتها.
وهنا في حضرة الأب كما في أيّ فنّ، يحتاج المبدع إلى عين الناقد، تلك العين التي ترى ما لا يُرى، وتُضيء مكامن القوة وتكشف مواضع الخلل، غير أنّ النقد المسرحيّ في تونس كما في غيرها يقف على حافةٍ دقيقة بين البناء والهدم. فبعض النقد يُمارَس بوعي ومسؤولية، فيُثري التجربة المسرحية ويمنحها أفقًا أوسع. بينما يغيب في أحيان كثيرة...يسمّيها البعض "بأزمة النّقد الحادّة". ولعلّ المسرح التونسي اليوم بحاجة إلى نقدٍ يواكب تطوّره، نقدٍ يُحاور العروض بعمق، ولا يكتفي بمجرّد ردود فعلٍ آنية تقتصر على المقالات الإخباريّة الصّحفيّة.
أمّا عن تجربتي الشخصية، فقد وجدتُ في المسرح بيتًا آخر، بيتًا لا يُشبه البيوت. دخلته طالبًا في المعهد العالي للفن المسرحي سنة إثنان وعشرين وألفين، فإذا به يحتويني أكثر مما توقّعت. هنا، حيث الكلمات تُصبح جسدًا، والحركات تُصبح لغةً، تعلّمتُ كيف يكون المسرح حياةً أخرى تُضاف إلى حياتنا في كلّ مشهدٍ، في كلّ تدريبٍ، كنت أكتشفُ جانبًا جديدًا من ذاتي، وأدركُ أنّ المسرح ليس مجرّد أداءٍ، بل هو انصهارٌ كاملٌ بين الإنسان وفكره وروحه.
ولا يمكنني في هذا اليوم إلا أن أرفع قبعتي احترامًا لأساتذتي، أولئك الذين فتحوا لنا أبواب هذا العالم، وعلّمونا كيف نقف على الخشبة، لا بأجسادنا فقط، بل بأرواحنا وعقولنا، إجلالًا كبيرًا لهم لأنهم لم يقدّموا لنا دروسًا فقط، بل منحونا شغفًا سيظلّ في قلوبنا ما حيينا.
وفي كلمة أخيرة...
اليوم لا نحتاج إلى كلماتٍ كثيرة، يكفي أن نُطفئ الأنوار، أن يرفع الستار، أن يبدأ العرض... ففي كلّ مرّةٍ يخطو فيها ممثلٌ نحو الخشبة، يبدأ احتفالٌ جديدٌ بالمسرح، ذاك الفنّ الذي لا يشيخ، ولا يموت.
Comentarios